مماطلة للحالات الإنسانية بمعبر رفح وترحيب بالتنسيقات
للمرة الثالثة منذ بداية العام يفتح معبر رفح بوابته السوداء أمام المحتاجين للسفر في قطاع غزة، بمجموع أيام دون أصابع اليد، بدأت أمس الأربعاء، حيث سافر بضع مئات فيما آلاف رهن قوائم الانتظار.
في صالة أبو يوسف النجار بمدينة خانيونس، جلست الحاجة زكية العشي 67 عاماً، تنتظر أن يصلها الدور للصعود في الحافلة التي ستنقلها إلى معبر رفح، تتعكز على ابنتها المريضة التي اسند السرطان نفسه إلى جسدها النحيف.
ازدحام الصالة، وكثرة أعداد المسافرين، وارتفاع الحرارة، جعلت الحاجة العشي تلفظ الكلمات دون تركيز، إذ تقول في حديثها لـ "الرسالة": "المريض ممنوع يتعالج، والطالب تضيع دراسته، حالنا ببكي الحجر، ما بنعرف لمتى هالمعاناة يا عالم!"، وفق تعبيرها.
الحاجة العشي زارت هذه الصالة قبل 20 يوماً حينما فتحت السلطات المصرية معبر رفح مدة يومين، وأغلقته بعد أن غادر 1000 مسافر من أصل 30 ألفاً مسجلين في كشوفات وزارة الداخلية بغزة، إلا أنها عادت إلى بيتها بعد أن استكفى الأشقاء في مصر بكشوفات التنسيقات.
وكشوفات التنسيقات يدفع المدرجون فيها آلافا من الدولارات لجهات أمنية مصرية، عبر وسطاء فلسطينيين، للعبور إلى الجانب المصري من المعبر، دون المرور في جولات المعاناة التي يعيشها المحتاجين للسفر من حالات المرضى والطلاب وأصحاب الاقامات في الخارج. وكانت السلطات المصرية أعلنت إعادة فتح معبر رفح لمدة أربعة أيام ابتداءً من أمس الأربعاء.
أما الشاب ياسر حلس 25 عاما، الذي يغادر غزة برفقة شقيقه محمد الذي سيتبرع بكليته لياسر، أخذ أحد كراسي الصالة الداخلية لمعبر رفح سريراً للراحة بعد أن ضاق ذرعا بالانتظار في الحافلة منذ ساعات الصباح الأولى.
ويقول الشاب حلس لـ"الرسالة": " بتمنى من اخوتنا المصريين يشوفوا حالتي، أنا خارج إطار الحياة، بدي اعيش يا ناس، احنا بنموت في غزة كل يوم وما حد حاسس فينا"، ليعود للنوم على قدم أخيه التي اتخذها وسادة له.
إلى جوارهم، في نهاية القاعة، كانت يسرى عودة تتكلم في مكالمة فيديو عبر الانترنت مع أبنائها في ألمانيا، الذين ينتظرون عودتها منذ ثلاثة أشهر، مدار الحديث بينهم تلخص في الاشتياق، وأمل الالتقاء خلال الساعات المقبلة، إن سمح مأمور البوابة السوداء بذلك.
انتظرنا انتهاءها من المكالمة، لتحدثنا عن مشهد جديد من مسلسل المعاناة الذي تتوزع حلقاته من صالة الانتظار وحتى البوابة السوداء، ليكتمل في طريق مليء بالمخاطر من معبر رفح إلى مدينة العريش المصرية.
تقول السيدة عودة في حديثها لـ "الرسالة": "اتيت إلى غزة بداية العام، في زيارة لأهلي على أن تستمر لمدة أسبوعين، لكن الأسبوعين صاروا 5 أشهر، ويمكن تمد أكثر إن ما غادرت غزة هالمرة".
طيلة مكوثها في ألمانيا، كانت تتمنى أن تقضي شهر رمضان برفقة والديها في غزة، وعلى سبيل التهكم قالت: "شكلهم أشقاءنا المصريين ناويين يحققوا لي أمنيتي وأقضي رمضان مع ماما وبابا في غزة".
بينما تعج الصالات بوجوه مريضة، وأخرى تنظر إلى مقاعدها الدراسية، جاء الطلب من فوق رؤوسهم بضرورة تجهيز كشوفات التنسيقات المصرية دافعي الرشوة للضباط المصريين، لتسهيل سفرهم قبل جميع الحالات الإنسانية.
الجانب الفلسطيني من إدارة المعبر، لا يملك إلا أن يتساهل مع الطلب المصري، ويجمع المسافرين المدرجة أسماؤهم في الكشوفات، على أمل أن يتسهل سفر الحالات الإنسانية بعد إدخال كشوف التنسيقات وفق ما صرح مصدر مسؤول في إدارة المعبر لـ "الرسالة".
وبحسب المصدر ذاته، فإن الجانب المصري اعتاد أن يضع كشوفات التنسيقات على رأس أولويات العمل في المعبر، ومن ثم الحالات الإنسانية، رغم أن غالبية المدرجين في الكشوفات، ليسوا أصحاب حاجة كالمرضى ومن سيفقدون أعمالهم ومقاعدهم الدراسية وإقاماتهم في الخارج.
وككل مرة، يفتح المعبر إعلامياً ويغلق فعلياً وإن كانت البوابة مفتوحة، فمغادرة بضع مئات خلال أيام عمله، لا يمثل إلا ذر للرماد في العيون، وفق ما يرى المتابعون لشأن المعبر والمسافرون أيضاً، والجميع باقٍ في انتظار حلٍ لهذه الأزمة الانسانية المتفاقمة على أعتاب الشقيقة مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق